ماذا عن الدولة اللبنانية نفسها؟ هل يُسمح لها أن تتعامل مع ملف العلاقات اللبنانية السورية بخفّة ودون دراسة وبعيداً عن تقدير العواقب؟
محمود ريا
30-07-2012
لندع المبادئ جانباً، فهي باتت منبوذة في هذا العالم.
ولنترك الاتفاقيات والمعاهدات، فهذه ـ كما يقول البعض ـ تم توقيعها كي تُخرق، وليس للالتزام بها.
ولنفكر بالمصلحة وبالمصلحة فقط، حتى ولو كانت مصلحة اليوم بعيدة كل البعد عن حقيقة الوضع في المستقبل
ما هي مصلحة لبنان في افتعال مشكلة مع سوريا؟
هناك تيارات سياسية تتخذ موقفاً سلبياً من النظام في دمشق، وهذا يدخل في إطار حرية الرأي، بغض النظر عن مدى صوابية هذا الموقف والمنطلقات التي ينطلق منها.
هذه التيارات تطلق التصريحات وتوجه الدعوات وتنظّم التظاهرات، والبعض يتهمها بأنها لا تكتفي بتقديم المساعدات للمعارضة السورية، وإنما تتطرف إلى حد تقديم السلاح والعتاد.. وحتى المقاتلين.
وهذه التيارات، وللّه الحمد، ليست في السلطة الآن.
وهذا يعني أن هذه التيارات لا تمثّل الدولة اللبنانية، ولا تشكّل جزءاً من قرارها، وهذا ما يُعفي ـ إلى حدّ ما ـ هذه الدولة من تحمّل تبعات مواقفها وتصرفاتها.. وجنونها.
فأن يرفع قادة هذه التيارات أصواتهم، ويطلقوا تصريحاتهم، يبقى أمراً مفهوماً، وإن لم يكن مبرراً.
ولكن ماذا عن الدولة اللبنانية نفسها؟ هل يُسمح لها أن تتعامل مع ملف العلاقات اللبنانية السورية بخفّة ودون دراسة وبعيداً عن تقدير العواقب؟
إن نظرة سريعة إلى واقع لبنان تكشف مدى خطورة عدم التعقّل في التعاطي مع الملف اللبناني السوري، نظراً للأخطار التي يفرزها هذا الانزياح عن جادة الصواب على لبنان أولاً، قبل أي أحد آخر.
وهذا التقييم نابع من مصلحة لبنان، وفقط من مصلحة لبنان، بعيداً مرة أخرى عن المبادئ، وعن الاتفاقيات والمعاهدات.
هل نظر مطلقو التصريحات ومتخذو المواقف إلى موقع لبنان وإلى واقع المصدّرين وإلى الجغرافيا والديموغرافيا وما تعكسانه من ظلال على واقع لبنان في ظل خلاف محتمل بين البلدين؟
هل درس البعض معنى الاحتجاج، ومعنى المذكرات، ومعنى الاتهام؟
إذا بقي النظام السوري في موقعه، فإن خطوة كهذه ستؤثر ـ حتماً ـ بشكل سلبي على لبنان.
فهل إن التغيير في "مزاج" التعاطي مع الأزمة السورية مرتبط بمعلومات دقيقة بأن النظام بات على وشك الانهيار، وبالتالي فإن هذا التغيير لن ينعكس سلباً على اللبنانيين، بل إنه سيترك آثاراً إيجابية عليهم؟
من باب المصلحة، بعيداً عن المبادئ والاتفاقيات والمعاهدات، هذا أمر جيد، ودليل على مرونة في التعاطي مع المتغيرات في المنطقة، والانسجام مع النهج السائد في العالم.
ولكن، ماذا لو لم يسقط النظام السوري؟
ماذا لو لم تنجح كل هذه الحملة العالمية العربية في الفتّ من عضد القيادة السورية، واستطاع الجيش السوري تحطيم التنظيمات المسلّحة التي تقاتله كما فعل في دمشق؟
ماذا لو تم التوصل إلى اتفاق ما، في لحظة ما، بقي بنتيجتها الرئيس الأسد رئيساً، ولو تغيّرت كل التركيبة التي تليه؟
كيف سيواجه اللبناني شقيقه السوري، وكيف سيبرر احتجاجاته، وهو الذي يعرف أن الردود السورية ما كانت لتحصل لو لم يكن هناك أفعال لبنانية؟
هذا من باب المصلحة فقط، وليس أكثر، ومن باب البحث عن امكانية انتهاز الفرصة، ومن باب ما هو مشهور عند اللبنانيين من خبرة في "معرفة كيف تؤكل الكتف".
إن وجود شخص في قصر بسترس يعرف مصلحة لبنان أكثر من البعض الآخرين في قصور أخرى أمر يستحق الثناء، في عصر صار منح الثناء فيه يتطلب الكثير من التأني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق