جلوس رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان على مقعد رئاسة مجلس الأمن الدولي يثير مشاعر متناقضة في نفس الإنسان اللبناني.
لا شك أن هناك لحظة من مشاعر الفخر ترخي بظلّها على الإنسان، فلبنان هذا البلد الصغير، يقف في موقع "رئاسة العالم" ولو لشهر واحد، ويقدم رئيسه أفكاراً حول العدالة والسلام في سياق الترويج للدبلوماسية الوقائية.
إلا أن الإنسان العاقل لا بد أن يتراجع عن الشعور بالفخر، وينكمش الجو الإيجابي الذي يحيط به، عندما يتذكر أن مجلس الأمن هذا ليس هو المؤسسة التي يبحث عنها محبو العدالة والسلام في العالم، ولا هو المكان الذي يُنتظر أن يصدر عنه ما يحمل الفرح إلى الشعوب المضطهدة في أنحاء العالم.
فهذا المجلس، كان على مدى وجوده، "المطبخ" الذي يتم فيه رسم الخطط التي تؤدي إلى زعزعة الأمن والسلام في العالم، بدل أن يكون المكان الذي تجتمع فيه الدول من أجل إيجاد الحلول لمشاكلها والوصول إلى إقرار العدل وإحقاق الحق، ومن ثم تحقيق السلام.
إلا أنه وبقدر ما يحتويه واقع هذا المجلس من نقط سوداء، فإن لوجود لبنان فيه ـ وفي هذه المرحلة بالذات ـ فائدة أساسية لا بد من التوقف عندها وذكرها.
ولكن قبل ذلك لا بد من العودة بالذاكرة إلى ثماني سنوات إلى الوراء.
في العام 2003 كانت الولايات المتحدة تحضّر الأجواء لعدوانها على العراق، وكانت تريد استخدام مجلس الأمن الدولي كأداة لتبرير هذا العدوان.
في ذلك الحين شاءت الصدف أن تكون سوريا هي ممثل المجموعة العربية، لا غيرها من الدول، وقد اتخذت القيادة السورية موقفاً مشرّفاً في رفض المصادقة على العدوان الأميركي على العراق.
يومها كتبتُ في الانتقاد (وكانت ورقية حينها) زاوية عن الموضوع ختمتها بالقول:
"وتبقى الفضيحة لو أن الدولة العربية الموجودة في مجلس الأمن كانت تقف في مجموعة المؤيدين للموقف الأميركي أو المترددين بين هؤلاء وأولئك، لأنه حينها كان على العرب أن يدفنوا ما تبقى لهم من كرامة .. في الوحل".
ربما من أجل ذلك الموقف ـ وما يماثله من مواقف قومية ثابتة ـ تُعاقب سوريا اليوم وتُحاصر وتُهدّد في مجلس الأمن الدولي.
وبالرغم من أن سيف الهجوم على سوريا ما يزال مثلوماً بسبب الموقفين الروسي والصيني، إلا أن وجود لبنان كمساند وظهير لهذين الموقفين أمر لا يمكن إنكار فوائده.
فلنتصوّر أن حكومة عربية من هذه الحكومات التي تتآمر على سوريا اليوم، والتي تشارك في العدوان الغربي على سوريا (مهما كانت صيغة المشاركة) هي التي تمثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن، ولنتصوّر أن هذه الدولة نفثت حقدها على سوريا، وسارت في مشاريع العقوبات، ومثّلت العرب بهذه الطريقة الشنيعة..
.. حينها كان على العرب أن يدفنوا ما تبقى لهم من كرامة، إذا تبقّى لهم شيء منها، في الوحل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق