انشغل العالم لساعات بالاحتفال الذي أقامته بريطانيا احتفاء بزواج الأمير ويليام من إحدى الحسناوات البريطانيات.. وبعد مرور الموجة الأسطورية التي ولّدها هذا العرس التاريخي، والذي كان أشبه بلوحة من الزمن الغابر تتجدد في العصر الحالي، صار لا بد من طرح بعض الأسئلة التي ترد على ذهن المتابع، حتى ولو لم يرَ إلا مشهداً واحداً من هذه اللوحة، كما حصل معي انا.
لماذا يهتم البريطانيون، ويدفعون العالم كله معهم للاهتمام بزواج شخصين، أيّا كان هذين الشخصين، بحيث تصبح كل الأحداث الأخرى في المرتبة الثانية، وتنقل محطات التلفزة في أنحاء العالم هذا الحدث بكل اللغات، ولماذا ينساق العالم معهم في هذه اللعبة الخيالية التي تحوّل بشراً عاديين إلى ما يشبه الأيقونات المقدسة التي تكاد تُعبد من دون الله.
هل وصل الفراغ في نفوس البشر إلى حد البحث عن وهم لملء لحظات من أيامهم التي تشهد الموت والدمار، ولا تعرف الفرح أو الاكتفاء اللذين يجب أن يكونا حقاً طبيعياً حقيقياً يلمسه كل واحد منهم في حياته اليومية؟
وهل أن ركوب شخصين في عربة ملكية تجرها الأحصنة يعيد إلى الشعوب المظلومة ما فقدته من موارد ومن طاقات خلال أيام الاستعمار البريطاني البغيض الذي رزح على صدور هذه الشعوب؟
وهل أن مشهد طفل يبلغ من العمر سبع سنوات أو أكثر قليلاً وهو يستقل سيارة رولز رويس ويلوّح بيد بشكل متكلّف للآلاف الذين يصطفون في الشوارع يستطيع أن ينسي البشر ملايين الأطفال الذي يموتون في أنحاء العالم بسبب الجوع والأمراض التي تفتك بهم دون أن يتنطّح أحد لمدّهم بالقليل القليل من احتياجاتهم؟
أم أن توجيه الكاميرات إلى ملكة (تملك ولا تحكم) يظلّل الواقع المرّ لمئات الملايين من البشر الذين يعانون من السياسات الإجرامية التي تغطيها هذه الملكة وتقدم كل الدعم لها، سواء كانت هذه السياسات أميركية أو بريطانية تقرّها "حكومة صاحبة الجلالة"؟
إن هذا الاهتمام الذي لقيه عرس الأمير ويليام هو إهانة حقيقية لمشاعر البشر الذين يعانون دون أن يلتفت إليهم أحد، والإهانة الأكبر جاءت من بعض الكتّاب الذين مجّدوا "الحدث" البريطاني، واعتبروه دليلاً على "مشروعية" شعبية تمتلكها العائلة المالكة البريطانية، في حين أنهم يغضّون النظر عن معاناة ملايين المشردين في بريطانيا نفسها، فضلاً عن المليارات من البشر الذين تسببت لهم هذه العائلة نفسها بالألم والمعاناة على مر القرون.
لقد كان العرس الإمبراطوري ملهاة حقيقية يلعبها ممثلون ملكيون لإخفاء المأساة الكونية التي يعيشها البشر في هذا العصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق