محمود ريا
لما مات الموات الذي هيمن لعقود على أمتنا، عاشت الحياة في شرايينها، وعشنا معها لحظات ما كنا لنحلم بها، وما كانت لتخطر في ظنون من سبقنا، ممّن "هرموا" وهم ينتظرون فرجاً لم يكونوا يعرفون من أين سيأتي.
فجأة، لم نعد نكره الخبر العاجل، ولا عدنا نسأم نشرات الأخبار، وتلاشت الابتسامة الصفراء التي كانت تعلو شفاهنا ونحن نتابع ما يحصل هنا وهناك.
الاندهاش الذي كنا قد فقدنا طعمه ونحن نرى سنيّ الأمة تمر مرّ السحاب العقيم، بلا برق يضيء الظلام، ولا رعد يهزّ عروش الظلاّم، بلا مطر يسقي العطشى، ولا سيول تزيل الفساد والفاسدين، هذا الاندهاش بات اليوم سمة تفرض نفسها على عيون الجميع، الكبار والصغار، الرجال والنساء، بعد أن تكاثرت الأحداث التي تدعو فعلاً إلى فتح العيون على وسعها تلقفاً للآتي.
عادت أسماء مثل بغداد وطرابلس، مثل القاهرة وصنعاء، مثل السويس والرباط، عادت تعني لنا الكثير، بعدما انحصر اهتمامنا بأسماء زواريب تضغط علينا بصراع الديكة الذي كان يسود بين زعمائها.
لقد تعرّفنا إلى أنفسنا من جديد، وعاد الواحد منا يتطلّع إلى عيون صاحبه، فيرى فيها جذوة انطفأت أو كادت، وليشعر بأن "الآخر" هو الذات، وبأن البعيد هو الأنا، وبأن ما يفصل بين المنامة وطرابلس الغرب لا يزيد عن الذي يفصل بين بيروت وطرابلس الأخرى: الهموم نفسها، والتطلعات نفسها، والشعارات هي هي، الشعب يريد هنا، والشعب يريد هناك.
أليس هكذا تكون الأمة الواحدة؟ ألم نتعلّم أن ما يجمع بين أبناء الأمة هو الماضي المشترك واللغة الواحدة والآمال المشتركة؟
إن هذه أمتنا أمة واحدة، بلغتها وبشبابها وبشعاراتها وبدمها المسفوح في كل الشوارع، ريّاً لزرع كانوا يقولون إنه مات منذ زمن بعيد.
وما يجب أن يبقى في البال أن انبهارنا بروح الشباب التي دبّت فجأة في عروق الأمة لم يجعلنا ننسى أن هذه الثمار هي نتيجة لبذار سكن الأرض منذ سنين، فأنتج نبتاً عرفناه باسم التحرير في عام 2000، وشهدناه يتخطى"العواصف الخمس"، ويسقى دماً قانياً في تموز عام 2006، وفي كوانين ما بين عامي 2008 و2009، فاهتزّت أرض هذه الأمة ورَبَت، لتخرج أُكُلَها في كل حين وفي كل مكان.
كنا في في موقع الانتظار، وها نحن الآن في موقع الفعل، مع صرخة تمتد من مصر إلى عدن، ومن الشام لتطوانِ،.. ها هي فعلاً.. بلاد العُرب أوطاني.
هناك تعليقان (2):
صدقت عزيزي وان شاء الله يأتي اليوم الذي تتوحد فيه كل الشعوب العربية بحكومات قوية وقادرة على تحقيق أماني شعوبها خاصة بمسألة تحرير فلسطين الحبيبة.
أطيب تحياتي
أشكرك على تعليقك المعبّر والمتناسب مع الموضوع والذي يركز على النقطة الأساسية التي يجب الاهتمام بها: فلسطين
إرسال تعليق