محمود ريا
يبدو أن للطريقة الجديدة التي تعمل بها السيارات الحديثة دوراً أساسياً في الازدياد المخيف في حوادث السير في العالم، وفي لبنان أيضاً، حيث تم تسجيل مئات الحوادث التي أدت إلى مقتل المئات من الأشخاص.
صحيح أن وزارة الداخلية تكرّمت بإصدار بيان يعتبر أن عدد قتلى حوادث السيارات ما زال أقل من عددهم في السنوات الماضية، ولكن الجمعية اللبنانية المتخصصة بمتابعة شؤون السير والحوادث ( اليازا) لديها رأي آخر، وهو يقوم على أن عدد ضحايا حوادث السير هو ضعفا العدد الذي أعلنته وزارة الداخلية.
وبغض النظر عن صحة الرقمين (350 أو 700) فإنه يبقى رقماً مرتفعاً، فهو يحصي أرواح الناس، وهذه الأرواح ليست رخيصة أبداً، سواء كانت روحاً واحدة أو ألف روح.
وبناءً عليه فإن الأمر يعتبر كارثة حقيقة: هو كارثة على الوطن الذي يخسر أبناءه شباباً وشيباً لأسباب يمكن معالجتها، وهو كارثة أكبر على العوائل التي تخسر أفرادها وتترك وحيدة مع حزنها، دون أن تكون عقوبات هذه الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية من مستوى ما يرتكبه كل قاتل، إلا اللهم من يذهب ضحية تهوّره أو عدم اهتمامه بقوانين السير، فيكون الثمن الذي يدفعة كبيراً جداً جداً، إنه حياته التي يفقدها في طرفة عين، أو قدرته على الحركة نتيجة الأضرار الجسدية التي تلحق به.
لقد أصبحت أخبار حوادث السير مثل أخبار البورصة التي تتكرر في النشرات الإخبارية كل يوم، إلا أن الألوان المستخدمة هي بعكس تلك التي تستخدم في لعبة الأسهم للتعبير عن ارتفاعها أو انخفاضها، فـ "هناك" تكون الألوان خضراء كلما ارتفعت قيمة السهم، و"هنا" يكون اللون أحمر قانياً كلما كانت بورصة قتلى حوادث السير أكثر ارتفاعاً.
وبالعودة إلى بداية هذا الحديث يمكن القول إن "التطورات" التي طرأت على تصنيع السيارات في العالم لها دور كبير في ارتفاع حوادث السيارات، دون أن ننسى الاختلالات التي تكتشف في السيارات الحديثة والتي تدفع الشركات المصنّعة للسيارات إلى سحب الآلاف (وأحياناً الملايين) منها دفعة واحدة، نتيجة اكتشاف خلل في المكابح أو في تصميم السيارة أو في مقودها أو في أجهزة أخرى فيها.
إلا أن الاختلالات ليست هي السبب الوحيد لهذه الحوادث، فهناك أصل تصنيع السيارة الذي يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.
فسيارات هذه الأيام تشبه الصواريخ التي تمشي على الأرض. وعندما يسلّم مراهق مقود سيارة قوّتها تقدّر بمئات الأحصنة، ويمكن استخدامها كسيّارات للسباق في "الفورميلا وان"، دون وجود ضوابط تمنعه من استخدام كل هذه القوة الجبارة للتباهي وللتنفيس عن الغضب ولتفريغ شحنات المراهقة التي تجتاحه، ودون أن يكون حاصلاً على رخصة سوق قانونية وحقيقية تعرّفه على المخاطر التي تواجهه خلال القيادة، فإن النتيجة ستكون كما نرى الآن: ارتفاع حوادث السير وتصاعد عدد القتلى، وطوفان الدموع التي تذرفها عيون أهالي الضحايا في كل لبنان.
أمام هذا الواقع المؤلم، وبعد النظر إلى ما يحصل على الساحة اللبنانية، فإن الإقتراح الأول الذي يطرأ على البال، هو عدم تسليم أي مراهق مقود سيارة يعمل على الزيت، حتى التأكد من قدرته على التحكم به، حتى لا يؤذي نفسه ويؤذي الآخرين، ويودي بما يقوده إلى التهلكة.
فهل من يسمع؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق