لا بد لقيام علاقة سليمة بين القائد والقاعدة أن يكون هناك نوع من التعاقد القائم على إطلاق القاعدة يد القائد في اتخاذ قرارات كبيرة ومصيرية مقابل أن يقدم القائد للقاعدة كشف حساب عن النتيجة التي أوصل المسيرة إليها ومدى تطابقها مع الأهداف العليا الموضوعة لهذه المسيرة.
فلا يمكن ان يقوم القائد بتبرير كل قرار يأخذه بشكل فوري وفي لحظة اتخاذه وعلى الملأ، لأن ذلك يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل مفاعيل هذا القرار وحرمان المسيرة من حصد نتائجه وتحصيل منافعه.
ويأتي الحساب في فترات محددة، تكون مقررة مسبقاً، حيث يقدم القائد (أو القيادة) تقريره الذي يكشف من خلاله مدى اقترابه من تحقيق أهداف جماهيره، وأسباب عدم الوصول إلى هذه النتيجة أو تلك.
في لبنان لا تسير الأمور على هذا النحو، فالقائد قائد، بلا أي تبرير ولا تفسير، والقاعدة قاعدة بلا أي سؤال ولا أي حساب، وتبقى العلاقة بين الطرفين قائمة على أساس التبعية والانقياد التام.
فالقائد في لبنان غير مضطر لتبرير السير في اتجاه ما ثم السير في اتجاه معاكس خلال فترة قصيرة جداً، ولا لتفسير أن يعلن اليوم شيئاً ثم يقوم في اليوم التالي بإعلان آخر قد يكون متناقضاً تماماً مع الإعلان الأول. والقائد في لبنان "يفهم في السياسة" أكثر من كل المقودين، فلا يمكن الاستفسار منه عن سبب هذا القرار أو ذاك، ولا عن نتيجة هذه الخطوة أو تلك، طالما أنه مطوّب بأمر المصلحة العليا، للحزب وللطائفة وللمسيرة و.. للوطن.
فلا يمكن ان تقول لقائد لبناني لماذا كنت هنا ثم أصبحت هناك، ثم ها أنت تعود إلى المكان الذي كنت فيه دون أن يرف لك جفن أو تقدم كشف حساب للذين سقتهم وراءك إلى هنا أو هناك، مخرجاً إياهم من مواقفهم الوطنية أو من اتجاهاتهم القومية أو من انتماءاتهم الدينية.
ولا يمكن أن تسأل قائداً لبنانياً آخر بأي حق أدخلت جمهورك في أجواء حربية هو غير معتاد عليها، وحرّضته بكل وسائل التحريض المتوافرة من أجل الانقضاض على أخيه في الدين والوطن وأسلتَ من أجل ذلك أنهار الدماء، ثم ها أنت توقع العهود والمواثيق وترسم خطوط المصالحات والمسامحات وتسخو في الوعود بالتعويضات والهبات، وكأن الدماء التي سالت سلعة يمكن دفع ثمنها والانصراف دون أي عقدة ذنب أو خوف محاسبة.
وفي لبنان لا مجال لتسأل قائداً لبنانياً ثالثاً عن وعوده وتنبؤاته وتعهداته القاطعة بـ "التغيير" و"التطيير" والانتصار والغلبة وتحويل صورة البلد وشكله ومضمونه وكل مبادئه وثوابته. ولا يمكن أن تساله كيف رفض مرشحاً لرئاسة الجمهورية ثم صوّت نوابه له، وكيف رفض حواراً خارج لبنان ثم كان من أوائل المشاركين فيه، وقبل ذلك كيف وعد بأن رئيس جمهورية لبنان لن يكمل عشرة أيام في قصر الرئاسة فإذا به يبقى حتى آخر.. آخر لحظة من ولايته، حيث وقف التاريخ ليمد لسانه هازئاً بهذا القائد الذي لا تصدق توقعاته إلا إذا كانت عن متفجرة هنا واغتيال هناك وتوتر أمني هنالك، في مصادفة غير بريئة ولا قابلة للهضم والتمرير.
في ظل هذه الحالة من عدم المحاسبة، وإفساح المجال إلى ما لا نهاية، وترك الحبل على الغارب، لا يعود من الممكن التعجب من كلام قائد بارز يعتبر أن الشهيد صالح العريضي "كان يعمل في خط 14 آذار"، لأنه بذلك يعتمد على أن قاعدته لن تحاسبه، وهي ستصدقه حتى لو قال "عنزة ولو طارت".
محمود ريا
فلا يمكن ان يقوم القائد بتبرير كل قرار يأخذه بشكل فوري وفي لحظة اتخاذه وعلى الملأ، لأن ذلك يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل مفاعيل هذا القرار وحرمان المسيرة من حصد نتائجه وتحصيل منافعه.
ويأتي الحساب في فترات محددة، تكون مقررة مسبقاً، حيث يقدم القائد (أو القيادة) تقريره الذي يكشف من خلاله مدى اقترابه من تحقيق أهداف جماهيره، وأسباب عدم الوصول إلى هذه النتيجة أو تلك.
في لبنان لا تسير الأمور على هذا النحو، فالقائد قائد، بلا أي تبرير ولا تفسير، والقاعدة قاعدة بلا أي سؤال ولا أي حساب، وتبقى العلاقة بين الطرفين قائمة على أساس التبعية والانقياد التام.
فالقائد في لبنان غير مضطر لتبرير السير في اتجاه ما ثم السير في اتجاه معاكس خلال فترة قصيرة جداً، ولا لتفسير أن يعلن اليوم شيئاً ثم يقوم في اليوم التالي بإعلان آخر قد يكون متناقضاً تماماً مع الإعلان الأول. والقائد في لبنان "يفهم في السياسة" أكثر من كل المقودين، فلا يمكن الاستفسار منه عن سبب هذا القرار أو ذاك، ولا عن نتيجة هذه الخطوة أو تلك، طالما أنه مطوّب بأمر المصلحة العليا، للحزب وللطائفة وللمسيرة و.. للوطن.
فلا يمكن ان تقول لقائد لبناني لماذا كنت هنا ثم أصبحت هناك، ثم ها أنت تعود إلى المكان الذي كنت فيه دون أن يرف لك جفن أو تقدم كشف حساب للذين سقتهم وراءك إلى هنا أو هناك، مخرجاً إياهم من مواقفهم الوطنية أو من اتجاهاتهم القومية أو من انتماءاتهم الدينية.
ولا يمكن أن تسأل قائداً لبنانياً آخر بأي حق أدخلت جمهورك في أجواء حربية هو غير معتاد عليها، وحرّضته بكل وسائل التحريض المتوافرة من أجل الانقضاض على أخيه في الدين والوطن وأسلتَ من أجل ذلك أنهار الدماء، ثم ها أنت توقع العهود والمواثيق وترسم خطوط المصالحات والمسامحات وتسخو في الوعود بالتعويضات والهبات، وكأن الدماء التي سالت سلعة يمكن دفع ثمنها والانصراف دون أي عقدة ذنب أو خوف محاسبة.
وفي لبنان لا مجال لتسأل قائداً لبنانياً ثالثاً عن وعوده وتنبؤاته وتعهداته القاطعة بـ "التغيير" و"التطيير" والانتصار والغلبة وتحويل صورة البلد وشكله ومضمونه وكل مبادئه وثوابته. ولا يمكن أن تساله كيف رفض مرشحاً لرئاسة الجمهورية ثم صوّت نوابه له، وكيف رفض حواراً خارج لبنان ثم كان من أوائل المشاركين فيه، وقبل ذلك كيف وعد بأن رئيس جمهورية لبنان لن يكمل عشرة أيام في قصر الرئاسة فإذا به يبقى حتى آخر.. آخر لحظة من ولايته، حيث وقف التاريخ ليمد لسانه هازئاً بهذا القائد الذي لا تصدق توقعاته إلا إذا كانت عن متفجرة هنا واغتيال هناك وتوتر أمني هنالك، في مصادفة غير بريئة ولا قابلة للهضم والتمرير.
في ظل هذه الحالة من عدم المحاسبة، وإفساح المجال إلى ما لا نهاية، وترك الحبل على الغارب، لا يعود من الممكن التعجب من كلام قائد بارز يعتبر أن الشهيد صالح العريضي "كان يعمل في خط 14 آذار"، لأنه بذلك يعتمد على أن قاعدته لن تحاسبه، وهي ستصدقه حتى لو قال "عنزة ولو طارت".
محمود ريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق