الجمعة، سبتمبر 23، 2005

الرئيس الإيراني يحرج الغرب من على منبر الأمم المتحدة



الحسم الذي حكم لهجة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في خطابه الذي ألقاه السبت الماضي من على منبر الأمم المتحدة ترجم نفسه ثباتاً في الموقف الإيراني خلال المفاوضات التي رافقت انعقاد اجتماعات الجمعية العام للمنظمة الدولية ما دفه الدول الغربية ـ أوروبية وأميركية ـ إلى التوقف هنيهة لالتقاط الأنفاس قبل اتخاذ قرار في كيفية مواجهة الموقف الإيراني ـ إذا كان هناك من سبيل للمواجهة.
تعددت الصفات التي أعطاها الغربيون لخطاب نجاد، فنعته البعض (الأميركي) بالعدواني والمتجاوز للخطوط الحمراء، فيما رآه البعض الآخر (الأوروبي) محبطاً وغير مبشر، وتناسى هؤلاء الإيجابيات الكبيرة التي حملها الخطاب والتي يمكن وضعها في خانة التقدم الكبير في الموقف الإيراني في التعامل مع هذا الملف.
لقد أراد الأميركيون والأوروبيون من إيران أن تأتي مستسلمة وموافقة على كل ما يريدون، ولما وقف الرئيس الإيراني يتحدث بقوة وشجاعة، لم يعودوا يسمعون إلا رفض الخضوع للموقف الأميركي.
الرئيس نجاد قدم في خطابه الكثير من الإشارات التي لو تم التجاوب معها من الغربيين لما كان هناك أزمة على صعيد الملف الإيراني النووي.
ولكن قبل تقديم هذه الإشارات لم يتردد نجاد في وضع القضية النووية في إطارها التاريخي ورسم صورة حقيقية لواقع التعاطي الدولي مع الموضوع النووي.
ويمكن تلخيص ما قاله نجاد في هذا المجال في الدعوة إلى تأسيس لجنة خاصة من قبل الجمعية العامة لإعداد تقرير شامل حول تدوين طرق عملية نزع السلاح بصورة كاملة على أن تدرس هذه اللجنة كيفية نقل المواد والتقنية ومعدات إنتاج الأسلحة النووية إلى الكيان الصهيوني خلافاً لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وان تقدّم الآلية العملية لجعل منطقة الشرق الأوسط مجردة من الأسلحة النووية.

وقال الدكتور أحمدي نجاد: "ان بعض الدول المقتدرة بتعاطيها التمييزي حيال حصول الدول الأعضاء في معاهدة حظر الأسلحة النووية، على المواد والتجهيزات والتقنية السلمية النووية تعمل على إرساء نظام عنصري نووي، لهذا فإننا نشعر بالقلق من أن نشاهد في المستقبل شرخاً عميقاً بين الدول المقتدرة والدول الأخرى، وتحولها إلى دول باللونين الأسود والأبيض فقط، وذلك نتيجة الهيمنة الكاملة لبعض الدول المقتدرة على المصادر والتقنية النووية ومنع الدول الأخرى من الحصول عليها".
وقال: من المؤسف إنه لم يتم اتخاذ إجراء مؤثر خلال الثلاثين عاماً حسب المادة الرابعة للمعاهدة بشأن تطبيق الحقوق المعترف بها للدول الأعضاء في المعاهدة في حصولها على الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية، وعليه من الضروري أن تطلب الجمعية العامة من الوكالة الدولية أن تقدم حسب المادة الثانية من نظامها الأساسي تقريراً عن الانتهاكات التي حصلت من قبل دول محددة في منع تطبيق هذه المادة وكذلك تقدم الآليات العملية والتنفيذية لتحقيق ذلك.
وقال الدكتور أحمدي نجاد: الأمر المناسب الذي نهتم به هو أن الاستخدام السلمي للطاقة النووية دون امتلاك دورة الوقود النووي إنما هي مفردة لا مغزى لها، ان المحطة النووية في بلد ما إذا جعل ذلك البلد في حاجة دائمة إلى دول متغطرسة لا تمتنع عن القيام باي إجراء لتمرير أغراضها، لن يكون سوى تبعية ذلك البلد وشعبها أكثر فأكثر، وان أية حكومة شعبية لا تعتبر ذلك خدمة لبلادها. وان مصير النفط في الدول النفطية التي خضعت للهيمنة إنما هي تجربة يرفض أي بلد مستقل وحر أن تتكرر.
وإزاء هذه الوقائع، وانطلاقاً من تأكيده على تحريم الإسلام للأسلحة النووية تقدم أحمدي نجاد باقتراح مهم جداً ضيّعه الغربيون في غمرة تصريحاتهم العُصابية حين قال: "ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استعداد لتخصيب اليورانيوم في إيران، ومن أجل الشفافية وبناء الثقة بشكل جاد ستشارك مع القطاعين الخاص والحكومي في البلدان الأخرى، الأمر الذي يعتبر أشمل من كل المقررات المنصوص عليها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والتي تقترحها الجمهورية الإسلامية لبناء الثقة وتوضيح فعالياتها النووية".
ولخص أحمدي نجاد الموقف في المجال النووي بالقول "إن محور السياسة النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التأكيد على الحق الطبيعي لإيران في الحصول على دورة إنتاج الوقود النووي والاستمرار في التعاطي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القضايا التقنية والقانونية بالإضافة إلى مواصلة المفاوضات مع البلدان الأخرى في إطار علاقة إيران مع الوكالة الدولية".
هذا الثبات في الموقف الذي عبر عنه الرئيس الإيراني ووجد ترجمته في المفاوضات التي تدور في فيينا حيث مقر الوكالة الدولية للطاقة النووية استحق عليه تهنئة قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي الذي قال "ان الشعب الإيراني وخلافاً لمطاليب العالم الاستكباري يواجه اليوم جميع التهديدات وان رئيس الجمهورية أعلن وأمام أنظار قادة دول العالم ونيابة عن الشعب الإيراني مواقف ووجهات نظر الشعب الإيراني بقوة ومتانة وهذا يمثل إرادة وقوة الشعب الإيراني الرصينة".
وبين ثبات الموقف الإيراني ووقوف قوى دولية كبرى إلأى جانب حق إيران في الحصول على التكنولوجيا النووية ـ وعلى رأسها روسيا والصين والهند ودول عدم الانحياز ـ يبدو أن الموقف الغربي في شقّيه الأميركي والأوروبي يعاني اليوم من حالة حصار سياسي ومعنوي كبير، ما يطرح أسئلة عديدة حول الطريقة التي ستعتمدها القوى الغربية للخروج من هذا المأزق.

ليست هناك تعليقات: