محمود ريا
لمن لم يقرأ قصة الكاتب التركي المعروف عزيز نيسين (آه منا نحن الحمير) يمكن تلخيصها له ببعض عبارات تحمل في طياتها الكثير من المعاني.
تحاول القصة أن تشرح للبشر لماذا تقتصر لغة الحمير على مقطعين فقط هما (هـ...ا هـ...ااا) أو ما اعتدنا نحن البشر على أن نسميه بالنهيق.
ينقل الكاتب القصة عن لسان حمار يخاطب البشر ويروي لهم "حادثة تاريخية" حصلت في قديم الزمان، وحوّلت لغة الحمير من لغة غنية بالمفردات والأصوات (تماماً كلغة البشر) إلى لغة فقيرة يعبر من خلالها الحمير عن كل مشاعرهم بمقطعين فقط.
وباختصار شديد فإن "الحادثة التاريخية" التي أدت إلى "ربط ألسنة" الحمير هي أن حماراً عجوزاً كان يرعى في البراري وحده وهو يغني الأغاني الحميرية، فتناهت إلى أنفه رائحة ليست طيبة، هي رائحة ذئب.
لقد حاول الحمار العجوز تجاهل الرائحة، وكلما كانت الرائحة تقترب كان ينفي وجود الذئب، وهو يعلّل هذا النفي بشتى العلل، من دون أن يتحرك من أرضه بالرغم من الرعب العظيم الذي داخَلَه، والذي أنكره في الظاهر.
ولما أصبح الذئب قريباً جداً، ورآه الحمار المنكر له رأي العين، أراد الحمار العجوز الهرب دون أن يقر حتى تلك اللحظة بوجود الذئب بقربه، يهدده ويكاد يفترسه.. إلى ان وقعت الواقعة وعضه الذئب في أنحاء جسده.. عندها بدأ يصرخ:
"ـ هـ...ااا، إنه ذئب، هـ...ااا، هو... هـ...ااا.. هوووو.
الذئب يمزقه، وهو بسبب ارتباط لسانه لا يصرخ إلا:
ـ هـاااا.. هووو.. هااا، هـ....ااا، هـاااا.
سمعت الحمير كلها صراخ الحمار من الجيل القديم بآخر كلماته حيث كانت تردد أصداءها صخور الجبال، وهو يتمزق بين أنياب الذئب:
ـ هاااا، هااااا، هاااا.."
ويختم الكاتب القصة بالقول على لسان الحمار الذي يروي القصة: "ولو لم يخدع نفسه ذلك الحمار ابن الجيل القديم حتى وصل الخطر إلى تحت ذيله، كنا سنبقى على معرفة بالكلام".
بعد هذه القصة "الواقعية" يطرأ سؤال: متى ستتحول لغة بعض العرب إلى مقطعين فقط، وهم يرون الخطر الصهيوني تحت ذيلهم ثم ينكرونه متعللين بمختلف العلل؟
الخميس، أغسطس 27، 2009
السبت، أغسطس 01، 2009
بلا مواربة: يأس.. ويأس
بعد صرخة القدس هاك صراخ كثير، وإذا كانت المدينة المقدسة لم تجد من يدافع عنها، فهل ستجد يافا وحيفا، ومعهما الجليل والنقب من يقف ليقول: كفّوا عن تهويد الأرض والبلاد وعن حرمان الناس من حقهم في الحياة؟
اليائس من ان تسمع الآذان الصماء صرخة مسرى الرسول، سيكون أكثر يأساً من سماع هذه الآذان لصرخة مدن اعترف عتاة العرب بأحقية الصهاينة بها، وهم يتواطأون مع حكومة العدو على محو هويتها التاريخية العربية والإسلامية للخلاص من "وجع الرأس" الذي يثيره النداء المنطلق من مئات الآلاف من الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين الذين لا يكفون عن الحراك منعاً لتهويد أرضهم وتاريخهم ومستقبلهم.
اليائس من ان يتحرك من فرضوا انفسهم زعماء على العرب كي ينقذوا المسجد الأقصى الذي باتت الأنفاق تحفر أرضه وتتركه خاوياً فوق خواء، سيكون أكثر يأساً من تحرك هؤلاء لإنقاذ أرض باتت بحكم استسلام العرب جزءاً من "دولة إسرائيل" المعترف بها من معظم الأنظمة التي باتت تتسابق للتطبيع معها وتقديم صنوف "الإغراءات" لها كي تقبل بـ"السلام".
إنه يأس كبير، إنه كيأس "الكفار من أهل القبور".
ولكن هناك بالمقابل يأس آخر.
إنه يأس الصهاينة والأميركيين ومن يقف معهم من القدرة على القضاء على الشعب الفلسطيني وإخراجه من الوجود، سواء داخل أراضي الـ48 أو في الضفة وغزة والقدس.
هذا اليأس هو الأمر الوحيد الذي ما زال يمنع الصهاينة من تنفيذ ضربتهم الكبرى في تهجير الفلسطينيين ومنعهم من التفكير بالعودة إلى هذه الأرض.
إنها إرادة المقاومة وإرادة الصمود التي لن يستطيع أحد القضاء عليها، ولا حتى العرب الذين يملأون الجرائد هذه الأيام بالحديث عن فوائد "التوطين".
محمود ريا
الانتقاد ـ العدد 1357 ـ 31 تموز/يوليو 2009
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)